مقدمة عن مرض السكري

هو اضطرابُ في التمثيل الغذائي للمواد الكربوهيدراتية في الجسم يتميز بضعف قدرة الجسم على إنتاج أو الاستجابة للأنسولين و بالتالي عدم إمكانية الحفاظ على مستويات مناسبة من سكر الجلوكوز في الدم.

يعتبر السكري سبباً رئيسياً لانتشار الأمراض و الوفيات، على الرغم من أن هذه النتائج لا تعتبر من الآثار المباشرة لهذا الاضطراب. لكن ترتبط هذه النتائج بالأمراض التي يصاب بها الشخص كنتيجة لإصابته بمرض السكري المزمن. من ضمنها أمراض الأوعية الدموية الواسعة (مرض الأوعية الدموية الكبيرة، بما في ذلك مرض الشريان التاجي و أمراض الشرايين الطرفية)، و أمراض الأوعية الدموية الصغيرة (مرض الأوعية الدموية الدقيقة، بما في ذلك أمراض الأوعية الدموية في شبكية العين والكلى)، بالإضافة إلى أمراض الأعصاب.

أسباب مرض السكري و أنواعه

الأنسولين هو عبارة عن هرمون تنتجه خلايا بيتا، التي توجد على شكل عناقيد من الخلايا في البنكرياس تسمى “جزر لانغرهانس” (بالانجليزية: Islets of Langerhans، حرف s في islets لا ينطق). يتمثل دور الإنسولين في الجسم في تحفيز الخلايا على استقبال سكر الجلوكوز حتى تتمكن من استخدامه في توليد الطاقة. قد يكون هناك خللاً لدى المصابين بمرض السكري في وظائف خلايا بيتا، ما ينتج عنه نقصاً في افراز الإنسولين، أو تكون الخلايا العضلية و الدهنية لديهم مقاومة لتأثيرات الإنسولين، و بالتالي تضعف قدرة هذه الخلايا على استقبال الجلوكوز و تمثيله . في كلتا الحالتين، تزداد مستويات الجلوكوز في الدم مسببةً “فرط سكر الدم” (بالانجليزية: Hyperglycemia). عندما يتراكم سكر الجلوكوز في الدم، فإن الكميات الزائدة من هذا السكر يتم التخلص منها عن طريق البول. و بسبب زيادة كميات الجلوكوز في البول، فإن المزيد من الماء سيخرج معه، مما يسبب زيادة في كمية البول و عدد مرات التبول بالإضافة للعطش. ( يشير اسم diabetes mellitus إلى هذه الأعراض: diabetes و هي تأتي من الكلمة اليونانية diabainein، و التي تعني “المرور من خلال”، و هي تصف البول الغزير. و كلمة mellitus، و هي كلمة لاتينية تعني “sweetened with honey” أي “مُحلى بالعسل”، و هي تشير إلى السكر الموجود في البول. هناك أعراض أخرى لمرض السكري من بينها الحكة، و الجوع, و فقدان الوزن، و الضعف.

هناك شكلان رئيسيان للمرض. مرض السكري من النوع الأول، حيث كان يطلق عليه في السابق “السكري المعتمد على الإنسولين” (بالانجليزية: (insulin-dependent diabetes mellitus (IDDM) و مرض السكري لدى الأطفال (بالانجليزية:juvenile-onset diabetes) ، الذي يبدأ بالظهور في مرحلة الطفولة. أما مرض  السكري من النوع الثاني، الذي كان يطلق عليه في السابق “السكري الغير معتمد على الإنسولين” (بالانجليزية: (non-insulin-dependent diabetes mellitus (NIDDM ) ، والسكري الذي يصيب البالغين و عادةً ما يحدث بعد سن 40 عاماً و يصبح أكثر انتشاراً مع تقدم العمر.

مرض السكري من النوع الأول

يمثل النوع الأول من السكري حوالي ما نسبته 5 إلى 10 في المائة من حالات الإصابة بالسكري. معظم المرضى المصابون بهذا النوع من السكري هم من الأطفال و المراهقين، لكن من نسبته حوالي 20% هم من البالغين. تختلف نسبة انتشار النوع الأول من السكري بشكل كبير باختلاف البلدان، حيث تبدأ  بأقل من خمس حالات من بين كل 100 ألف شخص خلال السنة الواحدة في العديد من الدول الآسيوية، إلى ما هو أكثر من 30 حالة من بين كل 100 ألف شخص خلال السنة الواحدة في فينلندا. في حين يعاني معظم المرضى من أعراض ارتفاع السكر في الدم (بالانجليزية: hyperglycemia)، فإن البعض الآخر من المرضى يعاني من “الحُماض الكيتوني السكري” (بالانجليزية: diabetic ketoacidosis)، الذي يعتبر مؤشراً على تدهور إفراز الإنسولين بشكل ملحوظ.

عادةً ما يحدث داء السكري من النوع الأول بسبب قيام المناعة الذاتية بتدمير جزر لانغرهانس الموجودة في البنكرياس. يوجد لدى المصابين بالسكري من النوع الأول أجسام مضادة في مصل الدم للعديد من مكونات جزر لانغرهانس، بما فيها الإنسولين نفسه. غالباً ما تتواجد الأجسام المضادة لعدة سنوات قبل بداية ظهور مرض السكري، و ربما يرتبط تواجدها بانخفاض في إفراز الإنسولين. بعض المصابون بهذا النوع من مرض السكري لديهم أشكال وراثية متنوعة (اختلافات وراثية) تتعلق بمُعَقّد مستضدات الكريات البيضاء البشرية (بالانجليزية: human leukocyte antigen (HLA) complex )، التي تشارك بتقديم المستضدات إلى الخلايا المناعية و الشروع في إنتاج الأجسام المضادة التي تهاجم خلايا الجسم ذاته و تسمى الأجسام المضادة الذاتية (بالانجليزية: autoantibodies). على الرغم من ذلك، فإن التدمير الفعلي لجزر لانغرهانس يُعتقَد أنه ناجم عندما تزداد حساسية الخلايا المناعية تجاه مكونات نسيج جزر لانغرهانس بدرجة أكبر من حساسيتها ضد إنتاج الأجسام المضادة الذاتية. بشكل عام، فإن ما نسبته حوالي 2 إلى 5 في المائة من الأطفال الذين يولدون لأبوين يعاني أحدهما من النوع الأول من مرض السكري، سيعانون أيضاً من هذا النوع من المرض.

مرض السكري من النوع الثاني

يعتبر مرض السكري من النوع الثاني أكثر شيوعاً بكثير من النوع الأول، ما يمثل نسبته 90% من مجمل الحالات. تختلف نسبة انتشار النوع الثاني في داخل البلد نفسها و من بلد إلى آخر و هي في ازدياد في جميع أنحاء العالم. معظم المصابون بالنوع الثاني من السكري هم من البالغين، و كبار السن، كما يمكن أن يصاب به الأطفال والمراهقون أيضاً. هناك مكون جيني أقوى بخصوص النوع الثاني من السكري أقوى منه بالنسبة للنوع الأول. على سبيل المثال، ففي حالة التوائم المتماثلة، فإن هناك فرصة أكبر لإصابة كليهما بالنوع الثاني من السكري أكثر بكثير من فرصة إصابتهم بالنوع الأول، و أيضاً ما نسبته من 7 إلى 14% من الأشخاص الذي يعاني أحد أبويهم من النوع الثاني لمرض السكر، فإنهم سوف يصابون غالباً بنفس النوع من المرض. حيث يزداد هذا التقدير إلى 45% إذا كان كلا الأبوين مصابين بهذا النوع من السكري. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن حوالي 40% من شعوب “البيما” الهندية في ولاية أريزونا مصابون بالنوع الثاني من السكري، في حين يُقَدّر عدد المصابين به في الولايات المتحدة بأسرِها بأكثر من 10% من مجموع السكان.

العديد من المصابين بالنوع الثاني من داء السكري لا تبدو عليهم أي أعراضٍ للمرض، و غالباً ما يتم تشخيصهم بهذا المرض عند إجراء بعض الفحوصات الروتينية التي تكشف عن وجود سكر الجلوكوز بتركيزات عالية في الدم. في بعض المرضى، فإن ظهور واحد أو أكثر من الأعراض المرتبطة بالمضاعفات طويلة الأمد لمرض السكري يؤدي غالباً إلى التشخيص بالنوع الثاني من داء السكر. هناك مرضى تظهر عليهم أعراض لارتفاع السكر في الدم (بالانجليزية: hyperglycemia)، الذي كان يلازمهم لمدة أشهر طويلة، أو بسبب ظهور مفاجئ لأعراض ارتفاع حاد في سكر الدم  و انهيار الأوعية الدموية.

يرتبط النوع الثاني من داء السكري بشدة بالسمنة حيث يحدث نتيجة لمقاومة الجسم للإنسولين و نقصه في الجسم. تعتبر مقاومة الإنسولين خاصية شائعة جداً  تُميّز النوع الثاني من داء السكري لدى المرضى الذين يعانون من السمنة، و بالتالي فإن المرضى عادة ما يكون لديهم معدلات عالية من الإنسولين أعلى من المعدل الطبيعي. و مع ذلك، فإن بعض الأشخاص البدناء تكون أجسامهم غير قادرة على إنتاج كميات كافية من الإنسولين، و بالتالي ستكون الزيادة التعويضية في الإنسولين غير كافية للاستجابة للزيادة في تركيزات سكر الجلوكوز في الدم، ما يتسبب في ارتفاع السكر في الدم (hyperglycemia). إذا ارتفع تركيز سكر الجلوكوز بنفس المقدار لدى شخص سليم و آخر بدين، فإن جسم الشخص السليم سوف يفرز كميات أكبر من الإنسولين مقارنةً بالشخص البدين.

يستطيع المصابون بالنوع الثاني من داء السكري أن يتحكموا بمستويات سكر الجلوكوز في أجسامهم من خلال التمارين و اتباع حمية غذائية، و إذا لزم الأمر، عن طريق أخذ حقن الإنسولين أو الأدوية عن طريق الفم. على الرغم من التصنيفات السابقة للأشخاص (أطفال و بالغين) وعلاقة ذلك بالإصابة بنوع معين من داء السكري ، إلا أن كلا النوعين منه من الممكن أن يحدث في أي مرحلة عمرية.

داء “السكري الحملي”

قد يبدأ مرض السكري بالظهور كحالة ثانوية مرتبطة بمرض آخر، مثل مرض البنكرياس، أو متلازمة وراثية مثل الضمور العضلي، أو تناول بعض العقاقير مثل الهرمونات القشرية السكرية أو القشرانيات السكرية (بالانجليزية: Glucocorticoids أو glucocorticosteroids). هذا النوع من السكري يعتبر حالة مؤقتة مرتبطة بالحمل. في هذه الحالة، ترتفع مستويات الجلوكوز في الدم خلال الحمل لكنها تعود لطبيعتها بعد الولادة. على الرغم من ذلك، يتم النظر للسكري الحملي باعتباره خطراً قد يؤدي لحدوث مرض السكري من النوع الثاني.