المحتويات
في كل المواد العضوية تحدث العديد من العمليات و التفاعلات الكيميائية و البيولوجية. المواد العضوية مبنية على أساس العمل في دورات من الولادة و الازدهار و الانحلال و الموت، ومن هناك تقوم بتغذية دورة حياة أخرى. العمليات التي تحدث في النباتات و الحيوانات المختلفة تقوم بتنظيم هذه الدورات، و تقوم بتشكيل طبيعة الحياة وتحديد مدتها. و لأننا كائنات عضوية أيضاً، فإن هذه القواعد تنطبق علينا أيضاً.
و هذا يعني أننا نستهلك باستمرار المواد العضوية التي تُدَعّم دورة الحياة الخاصة بنا، بعبارة أخرى، نحن بحاجة للطعام لنتمكن من العيش. لماذا ينبغي علينا أن نتحدث عن هذا النشاط اليومي (تناول الطعام) بشكل كيميائي و غير مباشر؟ ذلك لأن التعرف بشكل أساسي على مبادئ العمليات البيولوجية الخاصة بنا يساعد على فهم ما نتناوله في طعامنا و لماذا ناكله. تُعتبر المعلومات الغذائية ضرورية لاتخاذ قرارات صحية مستنيرة قد تؤثر على اختياراتنا الغذائية التي نقوم بها.
بالرجوع للحديث عن الدورات – يتمثل التَّطَلُّع الأساسي لمعظم المخلوقات في كيفية توسيع دورة حياتها (باستثناء بعض الحشرات مثلاً). لدينا الكثير من الحِيَل للقيام بذلك، لكن أحد الأشياء الأساسية التي اكتشفها الانسان هي تمديد فترة حياة الغذاء. استخدام مصطلح “المواد الحافظة” بحد ذاته قد يسبب عدم الشعور بالراحة لدى العديد من الناس، لكن على الرغم من هذه التسمية الصحيحة جزئياً، هناك معلومات مطمئنة و مشجعة بشأن هذه المواد، كما هو موضح في فيديو الرسوم الخاص ب TEDED.
المساعدين الصغار للثلاجة
تخيَّلوا أنكم تدخُلون إلى السوبرماركت و تقومون بالشراء، و من ثم تعودون إلى المنزل، و تُرَتِبون كل الأغراض في خزانة الطعام و في الثلاجة، و في صباح اليوم التالي تتفاجأون عندما تكتشفون أن كل الغذاء أصبح فاسداً. يعتبر الطعام الطازج هو الشكل المفضل للاستهلاك، و لكن في معظم الحالات، فإن أسلوب حياتنا يسمح لنا بالاستمتاع بالطعام الطازج بشكل موقت فقط. إذا كنتم تعتمدون بشكل كُلي على الطعام الطازج، سيكون علينا العمل على مدار الساعة لتوفير متطلباتنا الغذائية من الأغذية الطازجة. في كل مرة ترغبون فيها بتناول وجبة خفيفة مثل قطعة من الكعك مع القهوة، فعليكم الخروج و البحث عن مخبز. بالطبع، نحن نحب العيش في ظروفٍ كهذه، لكن هذا ليس هو الحال في معظم المجتمعات الغربية.
في الحقيقة، لم يكن هذا الواقع منذ آلاف السنين. حافظ البشر على الطعام بطرقٍ مختلفة منذ فجر التاريخ، و حتى الحيوانات لا تعتمد بشكلٍ حصري على الطعام الطازج. فقد طوّر بعضها طرقاً أقل تطوُراً من الطرق الخاص بنا، مثل دفن الطعام في الثلج، أو أصبح عند بعضِها مقاومة جسمية عالية للأغذية الفاسدة. لدى البشر طرقٌ أكثر تنوعاً و تطوراً لاستهلاك غذائهم لفترة من الزمن – وهذا بالطبع بشكل نسبي و من وجهة نظرنا نحن. لأنه ليس من المؤكد على الإطلاق أن الضبع يستمتع بالخيار المخلل أكثر بكثير من استمتاعه بجثة حمار وحشي مضى على نفوقه ثلاثة أيام.
على كل حال، على مر السرير تطورت طرق حفظ الطعام. بدأ حفظ الطعام بواسطة التدخين، والتمليح، و التخليل، أو بالسكر، إلى أن وصل لمرحلة لإضافة المركبات الكيميائية للطعام. القاسم المشترك بين جميع هذه الطرق هو تثبيط التفاعلات الكيميائية و البيولوجية التي تحدث للطعام. يوضح فيديو الرسوم أنّ “هناك عاملان رئيسيان يسببان فساد الطعام: الكائنات الدقيقة و عملية الأكسدة”. العامل الأول عبارة عن مخلوقات صغيرة جداً، تبدأ من البكتيريا و تنتهي بالفطريات، “كلنا على معرفة بالظواهر التي تحدث بسبب الكائنات الدقيقة – رائحة كريهة، تَغَيُّرات في اللون و الملمس، و بالطبع، أضرار صحية. العامل الثاني – الأكسدة – هو “تَغَيُّر كيميائي في جزيئات الطعام سببه الأنزيمات و الجذور الحرة”. يمكننا رؤية نتائج هذه العمليات في ثمرة الأفوكادو حيث تصبح سوداء بعد بضعة دقائق.
واحدة من المزايا العظيمة التي يتمتع بها الإنسان هي القدرة على التخطيط على المدى الطويل، حيث ساهمت قدرتنا على إدارة الغذاء بصورة مستقبلية بشكلٍ رئيسيٍ في عملية نمونا و تطورنا. في فترات سابقة من تاريخ البشرية، عندما كان على الإنسان الاحتفاظ باحتياطيات من الغذاء لاستخدامها في الأوقات الصعبة، كل ما كان عليه القيام به هو العمل على تحييد تأثير السببين الرئيسِيَّيَن (الكائنات الدقيقة و الأكسدة) لتلف الطعام. “لذلك وجدنا وسائل لخلق بيئة معادية للكائنات الحية الدقيقة، على سبيل المثال جعل الطعام حمضياً”. تعمل البيئة الحمضية على تكسير الأنزيم الذي تحتاجه تلك الكائنات الدقيقة، لذلك سَيَصعُب عليها أن تتطوَّر.
من الممكن جداً أن حواسنا قد تعلمت أن تحب الطعام الحامض، جزئياً بسبب الخصائص الحافظة الخاصة بالحمض التي تشبه تلك الموجودة في الليمون. من يقوم بصنع المخلَّلات في منزله يعرف الدور المهم لليمون أو الحمض في هذه العملية. و هناك طرق أخرى نقوم بواسطتها بإنتاج بيئة حمضية. على سبيل المثال، البكتيريا التي تقوم بانتاج حمض اللاكتيك كالذي يوجد في لبن الزبادي لها نفس التأثير. يُستخدم الملح و السكر بطرق أخرى لتثبيط نشاط الكائنات الدقيقة. كلتا المادتين تقوم بذلك عن طريق (الامتزاز) الإمتصاص الكيميائي لجزيئات الماء من جميع المواد العضوية الموجودة. هذا لا يقوم فقط باستنفاذ إمدادات الماء الخارجية للكائنات الدقيقة، بل يقوم بامتصاص جزيئات الماء الخاصة بها و يقتلها.
ماذا عن المواد الحافظة الاصطناعية ؟
تُوَفر البكتيريا التي تقوم بانتاج حمض اللاكتيك فوائد صحية للجهاز الهضمي، لكن يُنصح بتجنب الاستهلاك المفرط للحامض، أو الملح، أو السكر. في الواقع، فإن المواد الحافظة الطبيعية هي جزءٌ سهلٌ و بسيط. مخاوفنا تتعلق أساساً بالمواد الحافظة الاصطناعية. “العديد من المواد الحافظة الصناعية هي أيضاً حمضية”، يشرح المتحدث في الفيديو و يطرح السؤال الذي يهمنا جميعاً: ” هل هي آمنة؟”، حيث أسفرت الدراسات التي أُجريت على بعض المواد الحافظة الصناعية مثل حمض البنزويك و حمض البروبان و حمض السوربيك عن نتائج غير حاسمة، و لكن النتائج توحي بأن المادة المتعلقة بحمض البنزويك قد تكون ذات صلة بفرط النشاط. “ما عدا ذلك، يبدو أن تلك الأحماض آمنة تماماً”.
و مع ذلك، يوجد مواد حافظة أخرى توصلت بشأنها الدراسات إلى نتائج واضحة جداً. النيتريت، على سبيل المثال، كلاهما مواد حافظة توجد في اللحوم المعلبة كالنقانق. فالدراسات التي تربط بين استهلاك هذه الأنواع من الأغذية و المشاكل الصحية تشير إلى أن مواد النترات و النتريت تساهم في حدوث تلك المشاكل بشكل مهم.
لقد تحدثنا حتى الآن عن الكائنات الدقيقة و الطرق الطبيعية و الصناعية لتأخير عملها. الشكل الثاني من أشكال تلف الطعام هي الأكسدة. “المواد الحافظة المضادة للأكسدة تمنع التغيُّرات الكيميائية التي تعطي الطعام لوناً أو طعماً غريباً”. إذا كان التمليح و التخليل هما الطريقتان التقليديتان لإيقاف عمل الكائنات الدقيقة في الطعام، ففي حالة الأكسدة كانت الطريقة الرئيسية عبر التاريخ هي تدخين الطعام. “تعمل بعض المركبات العطرية الموجودة في دخان الخشب كمضادات للأكسدة”، كما جاء في هذا الفيديو. هناك مادة أخرى تقوم بعمل مماثل هي فيتامين E. في كلا الحالتين، فإن المادة الحافظة تساعد على التخلص من الجذور الحرة و منع المذاق السيء للطعام. بعض المواد الأخرى تعمل على تعطيل عمل الأنزيمات التي تجعل لون الطعام يتغيّر إلى اللون الأسود. تعتبر المواد الحافظة المضادة للأكسدة آمنة للاستهلاك، باستثناء بعض الحالات المحددة التي تعاني من الحساسية.
إذاً ما هو المقصود من كل ذلك – هل يمكننا الاستمرار في استهلاك الطعام الذي يحتوي على المواد الحافظة بدون تردد؟ يوضّح الفيديو أنه على الرغم من التأكد أن معظم المواد الحافظة تعتبر آمنة بجرعات مسموح بها من قبل المنظمات الصحية، إلا أن “بعض المستهلكين و الشركات يحاولون إيجاد البدائل”، حتى الآن “و بدون أي مساعدة كيميائية مهما كانت، فإن القليل من الأطعمة باستطاعتها ان تحافظ على فترة صلاحية لمدة زمنية طويلة”. حسناً، يبدو أن الإجابة تعتمد على الاختيار الشخصي. حتى لو افترضنا أن معظم المواد الحافظة غير ضارة، فهذا لا يعني أن جميع المواد الموجودة في الأطعمة المصنعة مفيدةٌ لنا. ثانياً، تختلف الاحتياجات الصحية باختلاف الأشخاص، لذا ينصح باستشارة أخصائيي التغذية.
و لكنها أيضاً مسألة تتعلق بإمكانية الوصول باستمرار للطعام الطازج و مقدار الجهد الذي علينا بذله لكي نجعل غذاءنا طازجاً بشكل تام. إذا أردنا و عملنا على تغيير أسلوب حياتنا بصورة تجعلنا نعتمد بشكل أساسي على المنتجات الطبيعية، فهناك الآن حلول أكثر تنوعاً. إذا كان الطعام الذي يوجد على الرفوف في غالبية أماكن التسوق هو ما نفضله فعلاً، فلا بأس، طالماً أننا على دراية بالجرعات و الكميات. في نهاية اليوم، يجب أن يكون هدفنا هو تمديد دورة حياتنا. و مع ذلك، كل شخص يقوم بوزن اعتباراته ليس فقط فيما يتعلق بالسؤال عن كيفية تمديد دورة الحياة، و لكن أيضاً كيف يفضل تجربة ذلك.