“دع الأمر يبقى بيننا، حسناً ؟”. من منَّا لم يسمع هذه الجملة بعد لحظة من سماعه لأحد الأسرار. كم منكم احتفظ بذلك لنفسه؟ ليس هناك ما يدعو للخجل، هذا يحدث معنا جميعاً و هناك سبب واضحٌ جداً لذلك

كتب “بنجامين فرانكلين” أن ثلاثة أشخاص يمكنهم الاحتفاظ بالأسرار، فقط إذا توفي إثنان منهم. بعد عشرات السنين، كتب “سيجموند فرويد” أن “هذا الذي ترى عيناه و تسمع أذناه يذكرني بأن الجنس البشري ليس بإمكانه الاحتفاظ بالأسرار. إذا أغلقت شفاههم، فإنهم يغتابون بأطراف أصابعهم; فإن السر يخرج منهم من كل مسام”. تبيّن لنا هذه الأقوال أن مهمة الاحتفاظ بالأسرار تبدو أصعب مما نعتقد حتى على صعيد الشخص مع نفسه. إذاً ما الذي يوجد بها، تلك الأسرار، ما يجعلها صعبة علينا؟

بادئ ذي بدء، يجب علينا أن نميز بين نوعين من الأسرار، يشار لهما بشكل مختلفٍ تماماً. النوع الأول هي الأسرار الشخصية التي تمسنا شخصياً مثل الرغبات الشخصية أو التصورات الشخصية أو الأشياء التي قمنا بها. و النوع الثاني هي الأسرار الخاصة بأناس آخرين، و أشياء أخبرنا بها أشخاص آخرون عن أنفسهم، أو عن أشخاصٍ آخرين، ثم قالو: ” دع الأمر يبقى بيننا، حسناً؟”. يبدو واضحاً أن ذلك سيبقى بيننا !!!!

النوع الأول، الأسرار الشخصية، يصعب علينا جداً مشاركتها مع الآخرين. كثيراً ما اسمع في العيادة جملة “لم أخبر أحداً بذلك أبداً”، و غالباً ما يكون ذلك مصحوباً بالدموع و صعوبةً هائلة في مشاركة مساحة آمنة و بعيدة عن إطلاق الأحكام. غالباً ما تكون هذه الأسرار مصحوبة بالشعور بالذنب و العار، سواء من شيء قمنا بفعله في الماضي لا يجعلنا نشعر بالفخر، أو بعض الخيالات هناك أو هناك (سواء جنسية أو غيرها).

مثل هذه الأسرار الشخصية غالباً ما تكون مصحوبة بالتفكير “ماذا سيقولون عني؟”، الخوف من الحكم علينا و الخوف من أن نخيّب ظن أقاربنا بنا. من الأسهل كثيراً علينا أن نخبر عن هذه الأسرار للناس الغرباء الذين لا يعرفوننا و الذين لن نراهم مرة أخرى (هل تذكرون تطبيق whisper ؟) ببساطة لأننا لسنا بحاجة للتعامل مع ما سيقولونه عنا.

يعتبر النوع الثاني من الأسرار مختلف تماماً. من منّا لم يواجه موقفاً أخبره فيه أحد الأشخاص عن شيء ما قام بفعله أو أخبره معلومة عن شخص آخر و من ثم قال له “لكن لا تخبر أحداً عن ذلك”. على عكس أسرارنا الشخصية، يصعب علينا الاحتفاظ بهذا النوع من الأسرار لأنفسنا. و عادةً ما تكون هذه الأسرار عبارة عن أخبار سيئة; و كلما كانت هذه الأسرار سيئة بشكل أكبر، ; كلما كان من الصعب الاحتفاظ بها لأنفسنا.

و السبب في ذلك مفاجئٌ نوعاً ما. الاحتفاظ بالأسرار يشبه ألعاب الخفة العقلية، الأمر الذي يتطلب منا الكثير من الطاقة دون أن نقوم حتى بالانتباه. فكروا في السيناريو التالي: أحد الأصدقاء قام بإخباركم بشيء عن صديق آخر، لكنه قال لكم أن ذلك سراً لم يخبره لأحد غيركم. في اليوم التالي، قابلتم ذلك الصديق الذي قيل عنه ذلك السر. الآن و أنتم تتحدثون معه، أنتم تعرفون عنه شيء ما هو لا يعرف أنكم تعرفون عنه، و ينبغي عليكم أن تكونوا حذرين لكي لا تذكروا ذلك أمامه عن طريق الخطأ. من دون أن تدركوا ذلك، فإن دماغكم يكون مشغولاً طول الوقت في محاولة إخفاء تلك المعلومات (الأسرار) التي تحاولون تقييدها. هذا يتطلب طاقة و تعدد في المهام، و نحن لا نجيد هذا بالشكل الذي نتصوره.

عندما يكون اهتمامنا و انتباهنا مشتتين، فإن قدرات ما وراء المعرفة الخاصة بنا “القدرة على التفكير و التحكم به” (بالانجليزية: metacognition) يحدث لها ضرراً، و يصبح سهلاً علينا أن نقع في الأخطاء، و من دون أن نلاحظ يخرج منا الكلام ما يسبب لنا تلك الإجابات “ماذا؟ كيف عرفت ذلك”، حيث أننا نتلوَّى في محاولة للعثور على إجابة مرضية أو نقوم بتغيير الموضوع بشكل أسرع من المتوقع.

السبب الآخر الذي يجعل من الصعب الحفاظ على الأسرار هو غرور الذات (الأنا)- طالما أننا لا نتحدث عن شيء من شأنه أن يحرجنا، و لكنه شيء قد يعني شيئاً لغيرنا (شيء مثل ما فعله صديقكم المفضل في الصيف الماضي). حين نكون من أولئك الذين ينقلون الأخبار الساخنة للآخرين، هذا يجعلنا نشعر بأننا في مركز اهتماماتهم و أن ردود أفعالهم تداعب شعورنا بالأنا، و مرات عديدة هذا الشعور يكون أقوى من الندم الذي سوف نشعر به عند إيذاء أشخاص آخرين أو التدخل في خصوصيتهم.

المصدر