المحتويات
تعتبر أمراض القلب والأوعية الدموية المسبب الأكبر لنسبة الأمراض والوفيات في العالم. وعلى الرغم من التطورات التكنولوجية والطبية في السنوات الأخيرة الماضية إلا أن إختفاء تلك الأمراض لا يزال بعيد المنال. لقد كان معلوماً منذ عدة سنوات أن الأساس المرضي المسبب لأمراض القلب والأوعية الدموية هو تصلب الشرايين. تصلب الشرايين هو عبارة عن عملية إلتهاب في جدران الشرايين ومع مرور السنين تتسبب في جعلها ضيقة ومن ثم انسدادها بالكامل. في البداية يبدو الأمر بسيطاً وكأنها عملية سباكة بسيطة لتلك الشرايين لكن تلك ليس الحقيقة حيث أننا فقط في الآونة الأخيرة أدركنا أننا نتحدث عن إحدى أعقد العمليات في العالم.
تعتبر أسباب انسداد الشرايين معقدة وغير واضحة حتى يومنا هذا. لقد تم ظهور مصطلح “عوامل خطر الإصابة بتصلب الشرايين” في خمسينيات القرن الماضي في مدينة برمينجهام في ولاية ماساتشوستس الأمريكية حيث تم القيام ببعض الدراسات الرصدية لأول مرة على مجموعة كبيرة من الأشخاص وهم سكان المدينة حيث بدأوا بفهم أهمية هذه المؤشرات على نسبة انتشار المرض والوفيات الناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية.
في وقت لاحق تم تطوير وصفة وصيغة طبية تتضمن تلك العوامل والمؤشرات يتم استخدامها في هذه الأيام بطرق مختلفة حيث أن هذه الوصفة تمكننا أو تمكن الطبيب الخاص بنا معرفة مدى احتمالية اصابتنا بتلك الأمراض.
إذاً ماذا نعني عند الحديث عن أسباب أمراض القلب والأوعية الدموية؟ نحن نتحدث عن مرض السكري، ارتفاع ضغط الدم، زيادة الوزن، التدخين، و السجل العائلي لأمراض القلب عند أفراد العائلة في عمر مبكر – كل هذه الأسباب تبقى على القائمة لكن الكوليسرول هو أبرزهم.
على الرغم من ذلك، فإن هناك عدد كبير من الدراسات أظهرت أن عدداً مهماً من الأشخاص الذين جاءوا للمستشفى بسبب نوبة قلبية كانت لديهم مستويات سليمة من الكوليسترول. بالإضافة إلى ذلك، وجد أنه على الرغم من الأهمية الكبيرة لكل عوامل الإصابة بتصلب الشرايين السابق ذكرها إلا أنها لا تفسر كل حالات الإصابة بالنوبات والجلطات القلبية والأضرار الأخرى الناجمة عن تصلب الشرايين.
يتبين لاحقاً أن هناك خفايا أخرى في هذه المعادلة يجب تفسيرها لكي يتم حل هذه المشكلة. بعضها يمكن فحصه وقياسه بالطرق التكنلوجية المتقدمة وبعضها هو نتاج المعرفة و الحس الصحي العام الذي لطالما امتلكه الإنسان لكننا أيضاً ننصح بالتعامل معها والانتباه لها.
الكوليسترول: الفحوصات التي تقدم لنا المعلومات المهمة
في الفحوصات الاعتيادية لمنظمات الحفاظ على الصحة يقومون في هذه الأيام باستخدام أربعة قياسات فيما يتعلق بمستوى الدهون: ترايجليسريدات، الكوليسترول الجيد (HDL)، الكوليسترول الكلي والكوليسترول السيء (LDL). تعريف الكوليسترول الجيد والسيء ليست تعريفات سهلة و بسيطة، لكننا سنكتفي بهذه التعريفات لأجل النقاش. هذه الفحوصات تساعد الأطباء على معرفة نسبة خطر الإصابة بهذا المرض لكنها لا تزودنا بكل المعلومات المهمة حوله.
لا يعتبر الكوليسترول في حد ذاتهضاراً على الجسم على الإطلاق. إنه عبارة عن مادة تنتجها تقريباً جميع الخلايا في الجسم وهو حيوي جدا لكثير من عمليات ووظائف الجسم. من بين هذه الأشياء، فإن الكوليسترول يعتبر المادة الأولية التي تساعد على تكوين أملاح العصارة الصفراء وفيتامين (د) و هرمونات الستيرويد كمكون أساسي لأغشية الخلايا ومغلفات الخلايا العصبية والمزيد.
عملية أكسدة هذا الكوليسترول وتحوله إلى سكر هو ما يجعله ضاراً على الجسم. في هذه الحالة يبدأ الكوليسترول بالتكون على جدران الشرايين والتسرب بداخلها مما يؤدي إلى إلتهاب يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والدماغ. ما هي الفحوصات المهمة التي تحدد خطر التعرض لمشاكل القلب؟
- فحص الدم الذي يسمى فحص الكوليسترول الضار المؤكسد (oxidized LDL) يمكنه إعطاء تقدير عن درجة تأكسد الكوليسترول ومن ثم معرفة العلاج الصحيح: تجنب عوامل الأكسدة (تسخين الطعام زيادة عن الحد، تلوث الهواء، منتجات اللحوم المصنعة والمعالجة، إلخ) في المقابل زيادة تناول الأطعمة التي تحتوي على مضادات الأكسدة مثل الخضار و اللوزيات و الجوزيات، إلخ.
- هناك مؤشر آخر يساعدنا على أن نكون أكثر دقة في تحديد نسبة خطر الإصابة وهو معرفة حجم جزيئات الكوليسترول. فعندما تكون جزيئات الكوليسترول صغيرة و متلاصقة، فهي تكون أشد خطورة من الجزيئات الكبيرة. في هذه الحالة وعندما تكون جزيئات الكوليسترول صغيرة ومتلاصقة فإنه يسهل أكسدتها ومن ثم فإنها تميل للالتصاق والتوغل بجدران الأوردة وتبقى لمدة أطول في الدورة الدموية حيث يصعب على الكبد إزالتها من مجرى الدم بسهولة. يعتبر فحص الدم الذي يمكننا من التمييز بين أحجام جزيئات الكوليسترول (صغيرة أم كبيرة) قادراً على إعطاءنا معلومات مهمة حول طبيعة العلاج اللازم لحل هذه المشكلة.
- هناك أيضاً فحص آخر لتقييم مستوى خطر الإصابة وهو معرفة أعداد جزيئات البروتينات الدهنية. تعتبر البروتينات الدهنية بمثابة السفن التي تقوم بنقل الكوليسترول في الدم من مكان لآخر لأن الكوليسترول هو مادة دهنية غير قابلة للذوبان بسهولة في الدم. في دراسة حديثة، وجد أن أهم مقياس لخطر الاصابة بتصلب الشرايين هو ليس عدد جزيئات الكوليسترول في الدم وإنما هو عدد جزيئات البروتينات الدهنية في الدم. حيث أنه كلما زاد عدد جزيئات البروتينات الدهنية كلما زادت فرصة الترسبات على جدران الأوعية الدموية.
- البروتين الدهني “أ” أو LPA يشبه ما يسمى بالكوليسترول السيء (LDL) في تركيبته الدهنية والبروتينية لكنه يحتوي على بروتين آخر يسمى (أبوليبروتبن “أ”). يعتبر وجود مستويات عالية من البروتين الدهني LPA مؤشراً هاماً لزيادة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والدماغ. حيث تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً، تزداد لديهم فرصة الإصابة بمتلازمة الشريان التاجي الحادة لثلاثة أضعاف.
هل الحجم يحدد؟ الالتهابات هي من تحدد
لا يعتبر حجم الانسداد في الشريان هو المؤشر على درجة الخطورة بأن هذه الترسبات سوف تؤدي إلى النوبات والجلطات القلبية. هناك العديد من الأدلة العلمية تبين أن هناك ترسبات صغيرة وليست ثابتة ولا متماسكة هي التي بإمكانها التسبب بالجلطات الدموية والتي ستؤدي لمشكلة حقيقية. تتكون الترسبات من عدة مواد و تؤثر بها العديد من العمليات. وعطفاً على ما ذكرناه سابقاً، فإن تصلب الشرايين هو عملية إلتهابية وتهيجية ومن المهم معرفة درجة هذا التهيج والإلتهاب ليصبح بإمكاننا معرفة نسبة الخطر الحقيقية للإصابه به.
هناك علامات تدل على وجود التهيجات يمكنها أن تعرفنا على درجة هذا الإلتهاب في الشرايين ومن ثم مدى الخطر الذي تشكله على القلب والدماغ. هذه مجموعة من فحوصات الدم التي يمكنها، إلى جانب أشياء أخرى، تحديد وجود درجة عالية وخطيرة من التهيجات، حيث يعتبر الفحص المسمى (High sensitivity crp)هو أبرز هذه الفحوصات. انتبهوا فإن هذا الفحص ليس هو ذات الفحص الاعتيادي الذي تقوم به منظمات الحفاظ على الصحة، فهذا الذي تقوم به هذه المؤسسات الصحية ليس حساساً بشكل كاف ليقدم نتائج دقيقة لمستوى خطر الإصابة بالمرض. يوجد أيضاً هناك فحص آخر يسمى (Lp-PLA2).
نتائج هذه الفحوصات يجب أن تدفع باتجاه علاج وقائي وفعال عن طريق التغذية التي تمنع التهيجات الغنية بالخضروات والبقوليات وأسماك البحر الغنية بالأوميجا 3 والكركم والزنجبيل والتوت الأسود وأطعمة مشابهة أخرى.
من المعلوم للجميع أن السكري هو مرض خطير وله عواقب مدمرة على عدة أعضاء في الجسم بما في ذلك الأوعية الدموية في القلب والدماغ. ما لا يعلمه الكثيرون أنه بإمكاننا اكتشاف اي خلل في مستويات السكر لدينا مبكراً جداً حتى قبل أن نعرف ذلك عن طريق الفحوصات الاعتيادية للسكر في الدم أثناء الصوم.
و من أمثلة هذه الفحوصات قياس مستويات الإنسولين خلال فترة الامتناع عن الطعام ومستويات الهيموجلوبين (A1c) حيث قياسها يقدم معلومات مهمة تساعد على علاج فعال وفي الوقت المناسب. هذه الفحوصات عادة ما تتم في مراكز تقديم الخدمات الصحية عندما تكون مستويات السكر في الدم غير طبيعية أو عند وجود مشاكل أخرى.
العديد من مزاولين مهنة الطب الوقائي ينصحون بعمل تلك الفحوصات في وقت مبكر. يساعد نمط الحياة اليومي الجيد على التعافي من مرض السكري، وعندما يتم معرفة مستويات السكر في الدم في وقت مبكر، فإن بعض التغييرات البسيطة والصغيرة في نمط الحياة تحدث نتائج كافية وتمنع تطور الحالة إلى مرض السكري الفعلي في المستقبل.
الفحص الذي ينساه الكثيرون
الهوموسيستين هو حمض أميني يتم إفرازه في الجسم بشكل طبيعي. وعندما ترتفع مستويات هذا الحمض الأميني في الجسم فإنه من المحتمل أن يؤدي إلى زيادة تخثر الدم والإضرار بالخلايا المبطنة لجدران الشرايين و زيادة عملية أكسدة الكوليسترول وغير ذلك.
تظهر بعض الدراسات وجود رابط بين مستويات حمض الهوموسيستين المرتفعة وظهور مرض تصلب الشرايين، مشاكل القلب و حتى الأمراض العقلية. أصبحت فحوصات حمض الهوموسيستين تشغل العناوين الرئيسية في الإعلام منذ عقدين من الزمن عندما وجد أن هناك ارتباط بين مستويات حمض الهوموسيستين المرتفعة في الجسم و مرض القلب. حيث وجدت الدراسات السريرية التي أعقبت هذا الاكتشاف أن المكملات الغذائية تعمل بالفعل على تخفيض مستوى الهوموسيستين في الدم لكنها لم تعمل على تقليل خطر الوفاة بأمراض القلب.
وبسبب عدم كفاءة الدراسات السريرية، فإنه تم التخلي عن هذا المسار العلاجي الواعد للأسف. في هذه الدراسات التي لم تجد أي منفعة للمكملات الغذائية في التقليل من أمراض القلب، يذكر أنه تم استخدام فيتامينات B12 و B6 ذات جودة منخفضة بالإضافة إلى مكملات حمض الفوليك بدلاً من الفولات الجيدة والفعالة.
ربما كان من الأجدر إعطاء هؤلاء الأشخاص ممن خضعوا لهذه الدراسة الأطعمة الصحية نفسها التي تحتوي على تلك الفيتامينات والحصول على أفضل ما في العالمين.
على الرغم من ذلك، إذا كنت تعاني من مرض قلبي بدون سبب واضح، أو إذا كان أحد أقرابك يعاني منه، فإنه إنه يتوجب عليه القيام بفحص مستويات حمض الهوموسيستين. هناك أيضاً خلل جيني معروف قد يتسبب بمستويات مرتفعة وخطيرة من حمض الهوموسيستين في الجسم حيث يمكن اكتشافها والتعامل معها.