الحديقة ليست فقط زهور وأشجار وأرض، وإنما مكان لمساعدة الأطفال للتغلب على المشاكل الإجتماعية والصعوبات الطفيفة في المهارات الحركية. ما هي طريقة الحدائق العلاجية و من تناسب؟

ماذا يحدث للأطفال الذين يقضون الكثير من الوقت في لعب ألعاب الحاسوب، يتعاملون فقط مع شخصيات افتراضية، معزولون عن الحياة الواقعية في الخارج وبعيدين عن الأرض؟ اضطراب نقص الطبيعة تمت دراسته بواسطة العديد من الباحثين من أهمهم الباحث “ويلسون” ، تقول “ليندا سالومون”، رئيسة برنامج البستنة العلاجية في كلية كيبوتزيم.

” أشار “نيلسون” بأن الجلوس أمام الشاشة معظم الوقت خلال اليوم، يؤدي إلى ظهور بعض أعراض القلق والاكتئاب لدى الأطفال والبالغين وزيادة وتيرة الحزن والعزلة واضطراب نقص التركيز و فرط الحركة (ADHD). علاوة على ذلك، كشفت تلك الدراسات أن نتائج البستنة العلاجية (therapeutic gardening) كانت أكبر أثراً من غيرها من الوسائل.

ما الذي يميز هذه الطريقة العلاجية؟

” عندما نقضي الكثير الوقت في الغرف المغلقة، خصوصاً أمام الشاشات، يتولد لدينا شعور بالعزلة والانفصال عن الطبيعة. باستطاعتنا أن نلعب ألعاب الحاسوب مع الشخصيات الافتراضية ونقتلهم ونرقص معهم لكن هذه الشخصيات لاتوجد على أرض الواقع فهي عبارة عن مفعول به وليس فاعلاً كالطبيعة. في الطبيعة، خلافاً لذلك، يوجد هناك تواصل حقيقي وفريد، يوجد هناك شيء حي.

البستنة العلاجية تستفيد من قرب الناس للطبيعة وحبهم لها حيث أنها مليئة بالحياة وتتميز بحضور جذاب. في الحديقة ، على سبيل المثال، يوجد هناك علاقات من نوع ما بين الحيوانات والنباتات وهذا يسمح لنا بالنظر لكل المخلوقات والديناميكيات بينها وتنمية الشعور بالتعاطف والإحساس بتلك المخلوقات.

“الهدف هو انت نتصل وننشئ علاقة مع كل ما حولنا وننمي مشاعرنا المتنوعة نحو ما يحيط بنا. تنمي البستنة العلاجية هذه العلاقات والمشاعر وتساعدنا في فهم أنفسنا من خلال الإسقاط.

إذا كان الطفل بسبب إضطراب الانتباه والتركيز يسبب له عالم فوضوي وغير منظم إذا سيبدو له حوض الزراعة غير منظم أيضاً ، فإنه سوف يزرع من هذا الشيء وهذا الشيء ومن ثم يرى في حوض الزراعة شيء يذكره بنفسه من الممكن الحديث عنه والاهتمام به . غالباً سيكون هذا انعكاساً لشيء مر به في حياته.

ما الذي ينبغي عليكم فعله بالضبط أثناء العلاج؟

الفكرة من هذا تعتمد على الاستفادة من كل مكونات الطبيعة: الأرض، الأدوات، التشجير، العمل مع الحيوانات التي تعيش في الحديقة. على سبيل المثال، القيام بأعمال فنية من ما هو موجود بالطبيعة، مثل صناعة سرير، زرع البذور، قطف وتناول ما زرعناه، تحضير المشروبات و تقديمها للوالدين. كل هذا يعطي إحساساً بالقدرة على العمل زيادة الثقة بالنفس. وعندما يثمر مشتل الزهور سوف يستمتع الأطفال بتناول ثماره. في بعض الأحيان قد تحدث بعض الصعوبات في التعامل مع بعض الأمور مثل الأضرار التي تسببها الأحوال الجوية، اليرقات، الحيوانات التي تأكل من أحواض الزراعة وهذا بطبيعة الحال جزء من العملية.

حسب ما تقوله “سلومون” والتي حاضرت في مؤتمر حول “مراقبة أساليب التربية” الذي تم عقده في معهد”موفيت” فإنها قالت ” من الممكن البدء بعلاج الأطفال بأسلوب البستنة العلاجية وهم في عمر ثلاث سنوات باستخدام ألعاب الخيال والألعاب الحسية ليشعروا أن الحديقة هي مكان للعب والمتعة. توفر الحديقة الكثير من الحيز للألعاب الحسية – الروائح، الطعم، اللمس والرؤية. يمكن للعلاج أن يكون انفرادياً أو في مجموعات حسب الغرض من العلاج – إذا أردتم العمل على أشياء محددة ودقيقة على انفراد أو العمل بشكل اجتماعي في مجموعات”.

“الحديقة مفتوحة وكل شيء فيها مكشوف لنا و يوجد أشياء في تجاربنا اللاواعية تقوم بعلاجها. تقال الكثير من الأشياء التي يصعب التعبير عنها بالكلمات. في الكثير من الأحيان يأتي العلاج من الشخص ذاته الذي تتم معالجته، هو الذي يقود العملية، وهو يعرف ما هو جيد له وينبغي افساح المجال له، هو ببساطة ينبغي له الارتباط والتواصل مع الحديقة والطبيعة”.

الاتصال بالطبيعة

ما هي أنواع المشاكل التي تعالجها البستنة العلاجية؟

“هذا العمل يساعد على الشفاء بحد ذاته، وهو طريقة أخرى للتعبير عن المشاعر والعواطف، لفهم الأشياء بطريقة الإسقاط و التعبير عنها عندما لا يكون من الممكن الإفصاح عن الأشياء بصراحة و وضوح. في إحدى المرات قمت بالاعتناء بطفل انفصل أبواه عن بعضهما. لقد قام بزراعة جميع أنواع الكوكتيلات النباتية، اندمج بالحديقة ومن ثم قام بالانفصال، هو أحضر للحديقة كل ما يحتويه عالمه – البعد عن والديه، ومحاولة إعادة الاتصال بهم من جديد”.

“هناك مثال آخر لطفل تم اخراجه من بلده ليعيش في مكان آخر فعندما قام بزرع النباتات في التربة، رأى كيف تتجذر الأشجار في الأرض، مثلنا تماماً حيث نتشبث بأنفسنا. كل العالم الخاص بالأطفال انعكس من خلال العمل في الحديقة و من الضروري وجود شخص معالج يستطيع الفهم والربط بين الأشياء و يقوم بتوجيه الطفل و العمل معه على التعامل مع الصعوبات والأحاسيس”.

“يقوم الأطفال بتكييف طبيعة العلاج طبقاً لنوع الصعوبات التي يمرون بها، فالأطفال الذين يعانون من فرط النشاط، على سبيل المثال، يقومون أولا بالفعل ومن ثم بالتفكير في معظم الحالات. يتطلب العمل في الحديقة التخطيط، معرفة كيفية التحكم بالذات و تعلم مهارة الانتظار وفهم إمكانية أن النظام العام يمكن أن يتغير. على سبيل المثال، إذا أرادوا زرع البصل، يجب أن يفهموا كيفية تنظيم و ترتيب الحوض للسماح للبصل بالنمو”.

” هذا الأمر لا يحدث بشكل فوري، العمل في الحديقة يعتمد على التسلسل في الخطوات والمراحل. إذا كان يعاني الأطفال من التخلص من المثيرات الخارجية، نبدأ معهم العمل بمكان مغلق، في الدفيئة مثلاً، مع عدم وجود مثيرات بيئية تعمل على تشتيت الأفكار، هنا نستطيع أن نخرج للخارج، لنتنفس، لنجري، ومن ثم نقوم بأخذ قسط من الراحة. كلما ازدات لدى الطفل القدرة على التحمل، والقدرة على تجاهل المثيرات الخارجية، كلما كان بمقدورنا السماح له بالعمل في الخارج في الأماكن المفتوحة. الطفل الذي يعاني من صعوبات حركية طفيفة نسمح له بزرع كل بذرة بشكل منفصل في خلايا صغيرة، و تنسيق العمل بواسطة العين واليد، والإمساك بالملقاط حيث أن هذا الشيء لا يقوم به معظم من يعملون في هذا المجال”.

” هناك أطفال وبسبب نقص الانتباه لديهم يعانون معظم الوقت من انتقادات من نوع – “ها أنت تفقد التركيز في الفصل مرة أخرى”. في الحقيقة، فإن الحديقة هي المكان الذي لا يوجه لهم الانتقاد به، حيث يشعرون بأنهم كاملون كما هم في الحقيقة، فإن الأرض قادرة على تحمل واستيعاب الكثير من الأشياء، تسمح لنا بالحفر بها، وقطف ثمارها، إنها تحتويهم وتقدرهم وتحترمهم”.

كيف تستطيع أن تعرف إذا ما تحققت بعض النجاحات؟

“يتم تحديد طبيعة العلاج وتوقيته و أمور أخرى حسب نوع الصعوبات. في بداية العلاج يتم تحديد أهداف علاجية واقعية ومحددة. يتجسد النجاح من خلال أمور صغيرة، و بأشكال و طرق مختلفة – و في حالة رفض الطفل للمساعدة في بداية السنة و بعد عدة شهور قام بطلب المساعدة من طفل آخر، أو أن أحد الأطفال يطلب في كل لقاء أن ينخرط بشيء جديد وبعد شهرين من العمل يتوقف عن الطلب – فهذا يدل على وجود تقدم في العلاج. هناك تقدم آخر يتضح من علاقة الطفل بأحواض الزراعة ومع البيئة. في بعض الأحيان يتجه الأطفال للعمل في مجموعات وهذا يدل على تغير نظرتهم والميل للعمل ضمن الفريق”.

تشير “سلومون” إلى أن ” البستنة العلاجية هي بالفعل مناسبة لجميع الأشخاص مع ضرورة الانتباه إلى أن الطفل يستمتع بالأزهار، بالقنافذ، وبشكل عام الأطفال الذين يستمتعون بالمساحات الفارغة – يسألون الأسئلة، يأخذهم الاهتمام بما حولهم. في هذه الحالة، قم بالمحاولة والتجربة، كما في أي وسيلة أخرى”.

تنصح “سلومون”، على وجه الخصوص، بالاستفادة من الطبيعة – بدلاً من الذهاب للأماكن المغلقة، هناك الكثير من الأنشطة التي يمكن للأطفال اكتشافها في الخارج. ” يهتم الأباء بإيجاد عمل ما يقضي فيه الأطفال معظم وقتهم و في بعض الأحيان هم في حاجة ماسة لفضاء واسع في الخارج يمكن لأطفالهم عمل الكثير من الأشياء فيه”.