إرنستو تشي غيفارا Ernesto Che Guevara (تشي لقب يعني الرفيق) أحد أشهر مناضلي أمريكا اللاتينية والمفكرين الثوريين في القرن العشرين، وهو من أصل أرجنتيني، ولد في مدينة روزاريو في الأرجنتين عام ۱۹۲۸م. وهو ابن عائلة من الطبقة المتوسطة في المجتمع، والده مهندس معماری ذو نزعات إصلاحية وطوباوية رومنسية في التفكير السياسي، كانت والدته سيدة مثقفة ذات اتجاه يساری، وهو الأخ الأكبر لإخوته الخمسة، أصيب بالربو وهو في الثانية من عمره، وبقي يعاني هذا المرض طوال حياته، ومع ذلك استمر في تأدية جميع المهمات التي اختارها بوصفة ثوریا مناضلا.
تلقى معظم تعليمه الابتدائي على يد والدته، وقد أتاحت له مكتبة والده الاطلاع على أعمال هيغل Hegel ومارکس Marx وإنغلز Engels وفرويد Freud، وكان من المعجبين بالشاعر التشيلي الشيوعي بابلو نیرودا P. Neruda، كل ذلك جعله يحظى بفكر متميز، وكان من الممكن أن يصبح رجل أعمال ناجحا، ولكنه تحول من رجل ثروة إلى رجل ثورة .
التحق بالمدرسة الثانوية عام 1941. وعاش الأزمات السياسية الخانقة في الأرجنتين إلى جانب الظلم الاجتماعي الذي كانت تعانيه شعوب أمريكا اللاتينية، مما جعله يضمر أشد الحقد والاحتقار للإمبريالية، وفي عام 1951 قام برحلة مع أحد أصدقائه إلى عديد من دول القارة الأمريكية الجنوبية، واطلع عن كثب على أوضاع الشعوب المأساوية التي جعلته أكثر إصرارا على التزام الدفاع عن قضايا الشعوب المضطهدة و تحريرها من الظلم والاستعباد.
تخرج في كلية الطب في عام 1953م، وبدأ مرحلة جديدة في حياته، فقد غادر بوليفيا وغواتيمالا والتحق بالمناصرين للنظام الشيوعي بقيادة «جاکوبو أربنز غوزمان» Jacobo Arbenz Guzman، وبعد إسقاط غوزمان ارتحل إلى المكسيك حيث التقى بالشقيقين فيديل وراؤول كاسترو.
توطدت عرى الصداقة بين غيفارا وکاسترو، وقرر أن يخوض إلى جانبه معركة تحریر کوبا من الدكتاتور «باتیستا» الموالي للولايات المتحدة، وترأس مجموعة من المقاتلين وكان قائدا موهوبا ومقاتلا شرسا يتمتع بصلابة فريدة ومعنويات قل نظيرها، وقد انتهت حرب التحرير الكوبية بالنجاح، وتم إسقاط النظام الدكتاتوري عام 1959.
وفي عام 1961م قام بزيارة معظم الدول الاشتراكية، بما فيها الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية، والتقى الرئيس جمال عبد الناصر، ومثل بلاده في عدد من المؤتمرات الاقتصادية والسياسية التي عقدت في ذلك العام.
وبعد انتصار الثورة منح الجنسية الكوبية، وعين رئيسا للبنك الوطني في كوبا، ثم عهد إليه بمنصب وزير الصناعة، وكان يدعو باستمرار إلى قطع كل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل الولايات المتحدة تصنفه بأنه ألد أعدائها وأحد أهدافها.
كان غيفارا من أبرز دعاة الخط الاشتراكي الشيوعي في الثورة الكوبية، ويؤمن بوحدة أمريكا اللاتينية وتحرير شعوبها، ولا سيما بلده الأرجنتين، ومن أجل هذا الهدف غادر کوبا وتخلى عن جميع مناصبه وعن الجنسية الكوبية، وكان إيمانه کبیرا بخلق أكثر من فيتنام، كما كانت لديه قناعة كاملة بتنظيم الفلاحين وقيادتهم لبلوغ اهدافهم الكبيرة، وعلى هذا الأساس غادر کوبا عام 1965م، ووجه رسالة إلى صدیقه کاسترو ويخبره فيها أن مهمته الثورية في الجزيرة قد أنجزت، وأن بلادا أخرى في حاجة إليه، وإن من أقدس واجباته النضال ضد الإمبريالية ورموزها في القارة الأمريكية.
قاتل في الكونغو مع الثوار، ثم غادرها بعد شهور عدة، وفي عام 1966م انتقل إلى بوليفيا متخفيا لقيادة الثورة فيها، ولكن مجموعته الصغيرة لم تنجح، فقد وقع في كمين نصبته له القوات البوليفية، وعلى الرغم من شجاعة مقاتليه واستبسالهم فلم يستطيعوا الإفلات، وأصيب غيفارا في فخذه ثم قبض عليه حيا بالقرب من مدينة سانتاکروز، وقد شاركت أطراف عديدة في مؤامرة القبض عليه وعلى رأسها المخابرات المركزية الأمريكية. وتم إعدام غيفارا بالقرب من قرية جبلية تبعد ۷۷۰ کم جنوب العاصمة لاباز، ودفن في نهاية مدرج قدیم لهبوط الطائرات، وبقيت الساعات الأخيرة من حياته غامضة، وقد كشف عن هذا الأمر في عام 1997م في إحياء ذكرى استشهاده الثلاثين.
نقلت رفاته إلى العاصمة الكوبية هافانا، حيث دفن باحتفال جماهيري حاشد. ولا تزال شخصية غيفارا مثارا للجدل، فقد عده جان بول سارتر «أكمل إنسان في عصرناه، ووصفه رفيق دربه «بوريغو» بأنه : «شخصية صريحة وصارمة وقاسية ولكنها محبة للناس، حمل كل صفات المناضل والمثقف الثوري، وكان أبعد ما يكون عن التطرف والانتهازية، ويكره المناصب والمال».
رأت فيه الملايين من شعوب العالم بطلا ورمزا للتضحية والعطاء. من مؤلفاته :« حرب المليشيات» ۱۹۰۹، و«الاشتراكية والإنسان في كوبا» 1966.
تدل كتاباته على أصالة فكره السياسي. كانت مارکسیته ثورية بروليتارية وعالمية، وكان هدف الاشتراكية عنده خلق إنسان جدید متحرر من جميع أشكال الاغتراب .